الثلاثاء، 17 مارس 2020

"التعبئة العامة" بين جور الوباء وجور الجوع







 "التعبئة العامة" بين جور الوباء وجور الجوع

محمد سلام "المكمم"

شاهدت جاري الذي كان يعمل سائق شاحنة نقل ردم من ورش البناء قبل "التعبئة العامة" ينصب بسطة على الرصيف، ومعه مجموعة من الصناديق التي تحتوي مواد مختلفة.
"شو عم تعمل" سألته؟؟؟
"عم ركب بسطة. منعوا ورش العمار بقرار التعبئة، قال منشان كورونا، وقف الشغل، كيف بدنا نعيش"؟ أجاب وسأل.
"يا إستاذ، فهمنا إنو لازم نضل بالبيت تا ما يقتلنا الكورونا. طيب، كيف منعيش؟؟ كيف منشتري أكل؟؟ كيف بصرف على عيلتي؟؟ يعني يا منموت بكورونا يا منموت من الجوع. الله ما قالها هيدي"؟؟؟؟ وأضاف: "حق الكمامة ألف، وحق الكفوف ألفين، ولسا لا فتينا ولا غمسنا، لا إشترينا دوا، ولا أكل، ولا دفعنا حق نقلة مي. المي مقطوعة صار لها 4 أيام".
وأخبرني أنه سيبيع على البسطة "مواد تنظيف. هيدي مطلوبة بهل أيام."
حذرته من أن الشرطة ستصادر له البسطة. ضحك وقال لي: "منقعد عليها أنا والمرا والأولاد. ياخدونا معها، ويصرفوا علينا."..... هذا منطق شريحة واسعة جداً من اللبنانيين الشرفاء الذين يعملون ليعيشوا على قاعدة "إعطنا خبزنا كفاف يوممن" لا يمارسون السرقة ولا تجارة الممنوعات ولا البلطجة عند المسؤولين والمسؤولات.
تركته وأنا أردد في ذهني خلاصة فكر هذا الإنسان المكافح الطيب المحترم الذي يجني خبزه بعرق جبينه "منقعد عليها أنا والمرا والأولاد، ياخدونا معها ويصرفوا علينا"
نفس مضمون الكلام كرره كثر في شوارع الطريق الجديدة، البنشرجي لابس كمامة وكفوف وعم "يتناقر" مع الشرطي على قاعدة "إنا ما عندي تجمعات، كل زبون لحالو. بدنا نعيش. إذا ما قتلتنا الكورونا بيقتلنا الجوع"؟؟؟
صحياً، "التعبئة العامة" والبقاء بالبيت قرار صحيح. ولكنه غير كافٍ إجتماعياً، ما يؤدي، وسيؤدي حتماً، إلى صدامات في الشارع.
مكافحة إنتشار الوباء تتم بأقصى درجاتها "من لحظة ظهوره" وليس بعد إنتشاره وعدم إعتراض دخول ناقليه المحتملين إلى البلد.
تذكرت تصريحاً لرئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الإعلان عن كورونا في الصين قبل نحن 3 أسابيع، قال فيه ما معناه: عدم وصول الوباء إلينا مستحيل. لذلك سنبدأ من الآن بالإستعداد لمواجهة تسلله وإنتشاره.
دولة لبنان، الطفرانة، الشحادة، المنهوبة كان يفترض فيها أن تقفل حدودها قبل 3 أسابيع، وكان يفترض فيها أن تعد خارطة بإنتشار الوباء المتسلل عبر الحدود المقفلة لا المرحبة كي يتم عزل هذه المناطق ووضع كل اللبنانيين في خدمتها لتوصيل الأغذية والأدوية والمساعدات العينية إليها عبر مسارات صحية.
بهذه الطريقة، التي لو إتبعت منذ اللحظة الأولى، كان بالإمكان حصر إنتشار الوباء بتكلفة محدودة، وكان بالإمكان تأمين تكافل إجتماعي-إنساني لبناني لمساعدة المصابين بتكلفة محدودة، بدل التعامل مع الوباء على قاعدة المزاد: إذا زادوا زدنا ... فمتنا جوعاً أو بالوباء.
وقبل "التعبئة العامة" وبعدها أثبتت شريحة كبرى من الشعب اللبناني أنها مصابة بوباء أقدم وأخطر من كورونا وشقيقاتها: وباء الجهل والمظهرية ... والمزرطة الغبية.
أعاننا الله على الصمود في مواجهة تحالف الأوبئة....







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق